العقل (اللب)
أولا: التذكّر:
التذكر: عملية عقلية يقوم بها الإنسان لاسترجاع معلومات مخزنة في دماغه ، ولقد أمر الله تعالى بني إسرائيل للقيام بهذه العملية عندما قال
في سورة البقرة :" يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم وأني فضلتكم على العالمين" 47" ، وهذه النعم التي أنعم الله بها على بني إسرائيل ويأمرهم بتذكرها هي: طيبات الرزق ، النجاة من فرعون بالإضافة لتفضيلهم على العالمين في زمانهم بإرسال الرسل وإنزال الكتاب وغير ذلك، ويأوهم الله بتذكّر النعم من أجل أن يقابلوا ذلك بالشكر له بإتباع رسلهم بالإيمان والتصديق بالذي جاء به أولئك الرسل. وسعادة الإنسان تكون في تذكره لذكرياته الجميلة وحمد الله عليها مع تذكره لقاء ربه لذلك تراه يعمل العمل الحسن من أجل سعادته عند لقاء ربه ، فتذكر الموت يجعل الإنسان لا يأبه بمخاطر الحياة وكما قيل:
" اطلبوا الموت توهب لكم الحياة "، فما هو أعظم خطر في الحياة؟ إنه الموت الذي بتذكره والإستعداد له يكسب الإنسان العادة، فعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: خّط النبي صلى الله عليه وسلم خّطا مربعّا، وخط خطا في الوسط خارجا منه، وخط خططا صغارا إلى هذا الذي في الوسط من جانبه الذي في الوسط ، فقال: " هذا الإنسان ، وهذا أجله محيطا به ـ أو قد أحاط به ـ وهذا الذي هو خارج أمله ، وهذه الخطط الصغار الأعراض، فإن أخطأه هذا ، نهشه هذا ، وإن أخطأه هذا نهشه هذا" رواه البخاري ، وصورة ذلك في الشكل التالي .
ويبين الله تعالى آياته للناس لكي يحفظوها في ذاكراتهم لتكون عونا لهم في أعراض حياتهم الخطرة، ليسترجعوا ذكرياتهم بما رأو من آيات الله فيستفيدوا منها في أخذ قرارات صائبة تخص دينهم ودنياهم . وتذكر الدار الآخرة وما بها من أهوال وأحوال ونعيم وعذاب من شأن الأنبياء في العصور التي عاشوا بها، وهذا التذكر خاص بهم عن أهل زمانهم ممن ألهتهم الدنيا والتكاثر فيها، فطوبى لمن ورث عن الأنبياء ذكرى الدّار فخص نفسه بهذه الذكرى الكريمة في أوساط مادية بحتة .
ثانيا: النسيان:
هو عدم التذكر لمعلومات محفوظة في دماغ الإنسان بسبب وساوس الشيطان التي هي دعاء لطاعته بصوت ذبذباته أقل من أن يسمعها الإنسان بأذنيه بل تصل إلى قلبه وتؤثر على ذاكرة ابن آدم الذي سمي إنسانا لنسيانه بهذه الطريقة، ودليل ذلك قوله تعالى في سورة الكهف (63) : " قال أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة فإني نسيت الحوت وما أنسانيه إلاّ الشيطان ، أذكره واتخذ سبيله في البحر عجبا". والنسيان يكون إيجابيا في حالة حجبه معلومات غير ضرورية لصالح معلومات أكثر أهمية وأولوية ، ففي الآية الكريمة التي ذكرت آنفا والتي يشكو فيها يوشع بن نون إلى النبي موسى عليه السلام وساوس الشيطان التي أنسته ذكر الحوت فقال معقبا موسى عليه السلام :" قال ذلك ما كنا نبغ فارتدا على آثارهما قصصا "
الكهف ( 64), أي أن الحوت ليس ما كنا نطلبه بل كنا نطلب عبدا صالحا هو الخضر وتجدر الإشارة إلى أن الخطأ ليس سببه النسيان، لأن الخطأ هو عدم اختيار الصواب بالرغم من معرفته ، فآدم الذي عصى ربه كان متذكرا طلب الله منه أن لا يأكل من الشجرة ولكن أزله إبليس أي أوقعه في الخطأ، وكما ورد في سورة البقرة(36):" فأزلهما الشيطان عنها فأخرجهما مما كانا فيه، وبالتالي كان عدلا من الله تعالى أن يعاقب المخطئين ولا يعاقب الناسين، ولمن أخطأ وتاب المغفرة، فلقد قال آدم وزوجته حواء لربهما:" ربنا ظلمنا أنفسنا ولمن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين" فتاب عليهما الله تعالى والمؤمن يقاوم وساوس إبليس بالإستعاذه منه بالله تعالى قائلا: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ومن شره قاصدا : الوسواس. والمنافق لا يتذكر الله تعالى بمقاومة وساوس الشيطان فينسى الله الذي لا يعين المنافق على وساوس ذلك الشيطان لأنه لم يستفيد بالله منه ومن وساوسه ، فيتركه الله تعالى لنفسه تأمره بالسوء وللشيطان يدعوه لمطالبه التي تقودهما للعذاب ، وصدق الله إذ يقول:" والمنافقون والمنافقات بعضهم من بعض يأمرون بالمنكر وينهون عن المعروف ويقبضون أيديهم نسوا الله فنسيهم إن المنافقين هم الفاسقون وعد الله المنافقين والمنافقات نار جهنم خالدين فيها هي حسبهم لعنهم الله ولهم عذاب مقيم".